ميرة القاسم ترسم ظلال المعنى في ملامح بلا ظلال

أن تكون شاعرًا فأنت تحاول اصطياد المعني عبر الصور الشعرية التي يصنعها تبادل وتجاور وعراك المفردة مع تاليتها أو سابقتها، وحين تكون رسامًا فأنت عبر اللون تحاول اصطياد الضوء والظل في حالة ما، وفي حالة أخرى أعمق استبصارًا فأنت تحاول الإمساك بتلك الصيرورة ما بين الظل والضوء وانعكاسهما على الشيء أو ما يفعله كلاهما في الشيء سواءً كان إنسانًا أو أي جسمٍ أو كيان طبيعيٍّ، بما يرقى للصورة الذهنية التي تتبلور عند سماعك لمقطوعة موسيقية ما.
على ضوء ذلك يتبدى شغف الشاعرة ميرة القاسم باصطياد لحظات فالتة أوتسجيل انفعالات بحيث تظل شاخصة تطل من هذه الوجوه التي تمثل أغلب تيمات لوحاتها، والمتابع لرحلة ميرة القاسم في حقول الإبداع، وبقليل من الجهد سوف يرصد أنها طيلة رحلتها الإبداعية تحاول- كفراشة- اصطياد رحيق الأشياء بتنقلها من زهرة الشعر؛ سواءً الشعر العامي أو المكتوب بالفصحى إلى الكتابة الصحفية وأخيرًا هاهي تحط رحالها على حديقة الفن التشكيلي؛ الذي أراه حديقة حدائق الإبداع بما تشتمل عليه اللوحة من رؤية ورؤيا ورأي وموسيقى اللون، أو تلك الموسيقى الناتجة من تناغم وتضاد الظلال والضوء.
وفي معرضها الأول الذي افتتحه في النادي الثقافي العربي بالشارقة، كل من الدكتور عبد العزيز المسلم- رئيس معهد الشارقة للتراث؛ والدكتور عمر عبد العزيز رئيس النادي في مساء الجمعة الماضي 13 سبتمبر 2025، بعنوان “ملامح بلا ظلال” تواصل ميرة القاسم اللهاث سواءً بفرشاة ألوانها أأحيانًا وبالقلم الرصاص أوبالفحم أحيانًا أخرى لإبراز المعاني الكامنة خلف الوجوه الحزينة والغاضبة والمتأملة والمندهشة. تقريبًا حوالي 60 لوحة من الأحجام الصغيرة، ضمها المعرض، بدت في معظمها الرسامة اكأنها طفلة تلقائية تعبث ولا تعبث في الوقت ذاته فهي تلقي بمشاعرها وانفعالاتها عبر سطح اللوحة أوبالحري من خلال نوافذ اللحظات والانفعالات معا التي جسدتها الوجوه المأزومة والحزينة والمندهشة.
وهذا ما يؤكده الدكتور عبد العزيز المسلم في حديثه لصحيفة الاتحاد الإماراتية” إذ قال: “عرفت ميرة القاسم شاعرة تغوص في النبطي ثم كتبت الشعر العامي الحديث، كما كانت صحفية نشطة تدرجت بين التحرير والكتابة وتنقلت بين عدة صحف ومجلات، واليوم أرى إنجازها الكبير في هذا المعرض، وأرى فيه تأثرها الكبير بالشعر، فهذه اللوحات قريبة من القلب، قريبة من مساحات الشعر”
الناقد والتشكيلي د. عمر عبد العزيز رئيس النادي الثقافي يذهب إلى أن الفنانة ميرة القاسم رسمت الوجوه، والأشياء الحميمة، من مزهريات وأوان، وباشرت استنطاق قوانين التشكيل البصري عبر الرسم بالضوء من خلال الفوتوغراف، وخاصة ما يتعلق منها بجماليات الفراغ الصحراوي، وما كان للفنانة ميرة أن تلامس هذه الأبعاد التشكيلية، لولا صلتها بالنص الشعري وثقافة الكلمة والمعنى.”
وفي الأخير تقول الرسامة والشاعرة ميرة القاسم عن لوحاتها: “ليس من شأن الفنان أن يشرح أعماله، فهي متروكة للمتلقي، وأنا عندما أباشر العمل لا تكون لدي أفكار مسبقة عما سأختاره من الألوان أو الأشكال، ولكن هذه أشياء تتحدد أثناء العمل وبإيحاء من الإحساس، وأتمنى أن أكون قد عبرت عن المشاعر التي كنت أريد أن أعبر عنها، فهذه بالفعل ملامح لوجوه بلا ظلال، وزهور، خرجت من الذاكرة، وعبرت عن ذكرياتي، وعن التشبث بماضٍ يعني لي كل شيء”.
وتحت تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة أقيم ملتقى الشارقة الدولي للراوي 2025 – الدورة الخامسة والعشرون، شاركت ميرة القاسم في الملتقى الذي حمل شعار “حكايات الرحالة” عبر ورشة عمل امتدت يوميَّ 23 و24 سبتمبر الجاري بجانب معرض تشكيلي وهي رحلة في السرد يمكنكم من خلالها اللقاء ببنات مطر والتعرف عليهن عن قرب. وعنه تقول ميرة: الرحالة ليس مجرد مسافر، بل حافظ للذاكرة، يدوّن أثر الطريق في الحكاية، ويحفظ للتجربة روحها، حتى تظلّ قابلة للعيش في أزمنة أخرى.